-حمزة رويجع-
ينعقد اليوم المؤتمر الاستثنائي لنقابة الصحافيين بإقليم الجديدة، في لحظة فارقة من مسار الصحافة المحلية، بعد أكثر من عشر سنوات من المحاولات الجادة لإرساء تنظيم مهني ذاتي يؤطر الجسم الإعلامي المحلي ويعمل على الارتقاء بالممارسة الصحفية نحو مزيد من الاحترافية والمسؤولية.
منذ سنة 2015، شهدت مدينة الجديدة عدة محاولات لتأسيس إطار مهني جامع، بداية مع جمعية الإعلام بالجديدة، التي لم يُكتب لها الاستمرار، ثم جمعية الأعمال الاجتماعية التي توقفت بعد رحيل مؤسسها الراحل جمال هناوة، قبل أن تستكمل مسارها القانوني.
تلتها مبادرات متفرقة لتأسيس نقابات وجمعيات مهنية، لكنها ظلت محدودة في أثرها، تفتقد إلى الرؤية الإستراتيجية الجامعة، إذ كان “المرض العضال” للقطاع هو التشرذم والانقسام الداخلي، وتصفية الحسابات الشخصية التي عطلت كل مبادرة جادة، كما حدث في واقعة جائزة مولاي عبد الله أمغار للصحافة التي جرى السعي الى وأدها وهي في المهد، لكن قوة الإرادة والعزيمة اخرجها الى الوجود بتوفيق من الله.
تلك التجارب المتعثرة كانت كافية لتترسخ قناعة لدى الصحافيين المحليين بأن قطار التنظيم الذاتي يجب أن ينطلق دون انتظار أحد، وبأن الإصلاح الحقيقي ينطلق من الداخل ولن يتحقق إلا بالإرادة الجماعية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح الفئوية. فمن يرى في التنظيم المهني تهديدًا لمكانته أو امتيازاته، إنما يُغفل أن الصحافة مهنة نبل ومسؤولية، وليست وسيلة للنفوذ أو الابتزاز والاسترزاق.
في الشهور الأخيرة، شكل اللقاء التواصلي حول الحماية القانونية والاجتماعية للمراسلين الصحفيين منعطفًا حقيقيًا في إعادة بناء الثقة بين الصحافيين. فقد وجهت النقابة خلاله رسالة قوية لنبذ الخلافات، والدعوة إلى التوحد حول هدف مشترك هو الارتقاء بالصحافة المحلية. استجابت فئات واسعة من المهنيين لهذه الدعوة، لتنطلق مسيرة جديدة أفرزت إطلاق أكاديمية للتكوين المستمر في مجال الصحافة والإعلام، في خطوة نوعية لرفع الكفاءة المهنية. كما ساهم مركز ومضة للإعلام والتنمية في ترسيخ هذه الدينامية عبر تنظيم ندوة رصينة أكدت أن أهل دكالة ما زالوا يحتفظون بريادتهم الإعلامية لأزيد من أربعة عقود.
انعقاد المؤتمر الاستثنائي اليوم يأتي لترسيخ هذا المسار الإصلاحي، من خلال تجديد هياكل النقابة على أسس جديدة، تؤكد على استقلالية القرار النقابي المحلي، بعيدًا عن الوصاية. نقابة منفتحة على جميع الصحافيين المهنيين والمراسلين الجادين، تؤمن بأن قوة التنظيم تأتي من الميدان لا من المكاتب، وأن هدفها الأسمى هو إخراج حلم “بيت الصحافة” إلى الوجود، كمؤسسة مواطِنة تحتضن الصحافيين وتؤطرهم وتمنحهم فضاءً للتكوين والتعاون.
إن إقليم الجديدة، بما يزخر به من طاقات بشرية وكفاءات إعلامية، وما يحتضنه من مشاريع استثمارية كبرى وموارد طبيعية متنوعة، يحتاج إلى إعلام محلي جاد ومسؤول وأخلاقي، قادر على مواكبة التحولات التنموية التي تعرفها المنطقة، وعلى ممارسة دوره الرقابي والتنويري في إطار المهنية والموضوعية.
بهذا المؤتمر، تفتح نقابة الصحافيين بإقليم الجديدة صفحة جديدة من العمل النقابي الحر والمسؤول، عنوانها التنظيم الذاتي، وغايتها خدمة المهنة، واحترام أخلاقياتها، وصيانة كرامة الصحافي المحلي باعتباره شريك في التنمية ومساهم رئيسي في نشر الوعي المجتمعي وتأطير المواطنين.
