أخبار العالم

كفى من بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة.. كفى من نشر اخبار زائفة والتهديد عبر دعامات الكترونية

-مجلة الجديدة-

إن مهنة الصحافة المهنية الجادة والموثوقة، التي تعمل على تقوية المصداقية والاحترافية، لا يمكنها ان تتأتى بين عشية او ضحاها، بل هي فعل تراكمي، ينبني أساسا على الكتابة الصحفية أولا، وأخطر ما قد يصيب الصحافي المهني بجنون العظمة او يخيل له انه ذو سلطة وقوة في صناعة القرار، هو ان يفتح البث المباشر، ويطلق لسانه على عواهنه، سواء داخل سيارة (بجانب قيسارية، حمام، فندق، مطعم، أطوروت…)، او حتى بداخل استوديو مجهز تقنيا، غائب فكريا ومعرفيا.

الصحافي المهني مثله مثل باقي المهن الحرة او حتى أصحاب الوظيفة العمومية والقطاع الخاص، قبل ان يسلط الضوء على موضوع، فهو يجب ان يستعد جيدا، وأن يستقصي مصادر جد موثوقة، وان لا يتجاوز الحيز الزمني للتعليق مجال نقل الخبر الصحيح بذاته، فما عدى ذلك فيكون الصحافي المهني قد تجاوز دوره المهني في نقل الاخبار، وأدخل نفسه في وضعية أخرى، عنوانها تصفية الحسابات، فحتى المتتبع والقارئ يصبح غير مهتم بصراع افتراضي فايسبوكي.

بادرنا يوم امس لتجديد السؤال حول خبر “فطور” 110 مليون سنتيم، وكنا نعتقد ان زميلنا في المهنة، قد استوعب خلال كل الفترة السابقة، اننا نرفع شعار المهنية عبر الممارسة الواقعية، كما اننا نختار التوقيت الزمني في خطنا التحريري ولا ننشر جميع الاخبار في آن واحد، بل نؤمن أكثر من ذلك ان “ليس كل خبر ينشر”.

زميلنا في المهنة، او المحسوب علينا ظلما، يتهمنا انه “مُغَرَرْ” بنا، وكلما وجه الينا الإتهامات اللفظية، زاد من عزيمتنا ان نواصل عملنا بكل مهنية واحترام لأخلاقيات مهنة الصحافة، واسمحوا لي القول ان طموحي في ذلك هو ان أعطي نموذج للرفع من مستوى المهنية، التي ستأتي القوانين القادمة بإذن الله، بأشياء تعيد الهبة لهذه المهنة التي اصبح كل من هب ودب ينتسب اليها، ويستغل قدرها وجلالها في قضاء حاجات أخرى او اعتقاد خاطئ منه انها تشكل له الحماية، لكن اكرر القول دائما الصحافي المهني “يَكْـتُــــــبْ”، اما صحافة موبايل، فعليها اللعنة الى يوم يبعثون.

نجد انفسنا ملزمين بصياغة هذه الأحرف، لأن القادم مما نعمل عليه مهنيا في صمت، لن يكون فقط صادما، فنحن لانتقن فن “التهديد بنشر أمور شائنة”، لكن دورنا هو ان ننشر الخبر الصحيح، ولايهمنا ماذا يقع بعد ذلك، الأهم ان يكون القراء والرأي العام امام خبر موثوق غير كاذب.

يبادرني احدهم بسؤال، لكن صفحتك لاتلقى عدد كبير من الاعجابات والتعاليق، فأجيب بكل عزة في النفس، انا لست مالك صفحة فايسبوكية، تبحث عن أموال (أدسنس)، فأنشر روتيني يومي واحقق عائدات مالية، انا صحافي مهني، أنا أصيغ مقالات صحفية مهنية، أنا اقوم بالاعداد والتقديم والإخراج لبرنامج “ديريكت”، أنا أبحث عن مؤسسات عمومية للإشهار القانوني، ولايمكنني المطالبة بها حاليا، ولكني اعمل على قدر المستطاع بشكل تراكمي ايجابي.

اما الاحصائيات الحقيقية التي نتوفر عليها تقنيا هو ان ل”مجلة الجديدة” 2500 قارئ يومي في المتوسط العام، ينحدرون من المغرب ومن إقليم الجديدة على وجه الخصوص، وانه خلال شهر ماي الماضي اقتربنا من سقف ربع مليون زيارة لمجموع انتاجاتنا الصحفية المهنية، وفي كثير من جلساتنا نصادف التحية والاحترام من قراء أوفياء لنا، بل يستمتعون في قراءة قلمنا، وهو يدفعنا للتفكير في كتابة رواية او قصة قصيرة.

لذلك، ففي الصحافة المهنية، ليس هنالك مجال او حديث عن الاعجاب او التعاليق، بالعكس، فالتعاليق مثلا، هي عبئ إضافي في تتبعها وحذف المسيئة منها، لأن قانون الصحافة والنشر يحمل مسؤولية التعاليق التي تحمل عبارات القذف والسب والشتم الى مدير النشر، وحيث انك اذا ما زرت الصفحة الرسمية لوكالة الأنباء المغربية ستجدهم لايفتحون باب التعليق، لأن الوكالة دورها نشر الاخبار اما رأيك عبر به من خلال صفحتك وتحمل مسؤوليتك القانونية في ذلك.

هذا على الصعيد الوطني، اما دوليا، فاذا ما قمنا بزيارة للصفحة الرسمية لأعرق جريدة أمريكية “نيويورك تايمز” او جريدة كندية “لابريس” التي فضحت بدورها “لفرشة”، فلن تجد اعجابا واحدا، وهذا لا يعني انها لا تقرئ، لكنها مؤثرة في صناعة القرار الدولي، ملف “خاشوقجي” مثلا.

منذ يوم الخميس واتلقى اتصالات هاتفية حول اخر حلقة من برنامج “ديريكت”، التي خصصناها حول مشروع بناء مقر المجلس الإقليمي للجديدة، الاتصالات الهاتفية أجمعت على المهنية والتحفيز في مواصلة العمل المهني، وبكل صدق تخوفت ان أصاب بلعنة الغرور، لكن مؤمن ان من تواضع لله رفعه.

أعود للهمس في الأذن اليسرى، لزميلنا مجددا، إن قلمنا الصحفي لايخضع للتغرير كما تدعي، وان كل استصغارك لعملنا، هو يكشف حقيقة معدنك للرأي العام، لأن المثل المغربي ينص ان “كل واحد وبلاكتو على ضهرو”.

لن أكون مؤلما، فأنا لست “صعلوك” او “برهوش” حتى أبحث عن قصة “غار طوطو”، فالتغرير يكون للقاصرين فكريا وان كانت اجسامهم كالبغال، بل التغرير الحقيقي هو لمن سمح لنفسه ان يصور ويهدد بنشر فيديوهات لرجال يرقصون مع رجال، التغرير الحقيقي هو لمن اتهم الاخر بالاتجار الدولي في المخدرات، ولائحة صك الاتهامات الخيالية طويلة، فمرض الضغط الدموي او مرض الملوك النقرص “La Gout” ليس سببا في ان يفتح الانسان فمه على عواهنه.

فهل تكون هذه الهمسة موقظة للضمير المهني الغائب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى