الدكتور إبراهيم عروش يكتب “قتلنا الثعبان وركبنا الأمواج”
-الرأي الحر-
يستحضرني نص قرائي من كتاب المطالعة موجه لتلاميذ الأقسام الابتدائية، على منوال حكايات أحمد بوكماخ، بعنوان “قتلنا الثعبان”. حيث يحكى أن أخوين خرجا في نزهة، ففاجأهما ثعبان، فطارده أكبرهما وهو يحمل عصا فأرداه قتيلاً، بينما أطلق الأخ الأصغر ساقيه للريح، مذعورًا إلى أن لحقه أخوه وأظهر له جثة الثعبان الهامدة. فما كان من الأخ الأصغر إلا أن علق رأس الثعبان وانطلق نحو القرية متبخترًا مزهوًا صائحًا: “لقد قتلنا الثعبان”.
هذا المثل يُطلق على من يَنسُب فِعْلاً أو إنجازًا يرجى منه شكرًا وعرفانًا ومكافأة لذاته، وتبخيسًا ونكرانًا للفاعل الأصلي. هذه الثقافة الخسيسة نراها متفشية بشكل كبير عند كبار الساسة ومسيري الشأن المحلي والرياضي والثقافي وباقي القطاعات. وهم أشد نفاقًا، ولعن الله “سَاسَ ويَسُوسُ”، على رأي مؤسس حزب الشورى والاستقلال محمد حسن الوزاني، فلا تسمع إلا أنجزنا وسنفعل و…، وقتلنا الثعبان.
حتى عند منح الدعم العمومي للجمعيات، تسمع: أعطينا لهذا مقدارًا وسنعطي للآخر مقدارًا، والأجدر أن يقال: وهب دافع الضرائب من المواطنين مقدارًا. هذا عكس ما نراه في بعض البلدان كأمريكا، فعندما يُتابع شخص من أجل جرم، يتلو عليه القاضي صك المتابعة مثلًا: “ولاية كاليفورنيا تتابعك من أجل هذا”، أو عند احتفال طاقم وكالة ناسا الفضائية بإنجاز، تراهم يقفون وقفة رجل واحد يصفقون ويتبادلون التهاني جميعًا، في حين لا يظهر عندنا إلا قاتل الثعبان.
هذا النص القرائي يتوخى منه معالجة ظاهرة اجتماعية عن طريق السخرية الهادفة إلى تصحيح ثقافة منحرفة قوامها ركوب الأمواج والسطو على جهود الغير، والحصول على مدح وشكر غير مستحقين.
قال تعالى في كتابه الحكيم: “لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (آل عمران: 188). وهنا وضح سبحانه محلهم من الإعراب.
وقال زميلي في الفصل الابتدائي المشاغب عبد المجيد عندما سأله معلم التاريخ: من بنى مدينة مراكش؟، فأجابه مستهزئًا: “كُلْهَا وبنى دارو”.